التحرش الجنسي
التحرُّش الجنسي من منظور إسلامي
من نتائج ضعف الوازع الديني في نفوس الكثيرين وانحسار أثره فيها ، ما
فُوجئت به المجتمعات وخاصة الإسلامية بين الفينة والفينة من مظاهر ذلك وتداعياته ،
والذي تظهر آثاره في انتشار مقاه (الإنترنت) ونواديه ، وانكباب الجنسين في هذه
المقاهي والنوادي وغيرها علي اتصال أفراد كل جنس بأفراد الجنس الآخر عن طريق ما
يُسمي (chattig) ، الذي يعدُّ نوعًا من التحرُّش
الجنسي بين مَنْ يستخدمونه ، أو الدخول إلي المواقع التي تبث أو تعرض صورًا لا يحل
مشاهدتها ، وغير ذلك مما أتاحته شبكة (الإنترنت) هذا فضلاً عمّا يفعله بعضهم من
مطاردة النساء في مواضع تجمعهن ، كالأسواق أو معاهد العلم ومدارسه ، أو المشافي أو
المصالح الحكومية أو الدواوين وغيرها ، والتي تصل في بعض الأحيان إلي حد إسماع
الأنثى كلمات الغزل ، أو وصفها بأوصاف بغية لفت انتباها ، أو تضييق الطريق عليها ،
سواء أكانت تسير مُترجلة أم راكبة بمفردها مع غيرها ، وإلقاء البطاقات التي تحمل
أرقام الهواتف بداخل السيارة ، أو ملاحقتها بسيارته لإرباكها وإجبارها علي التوقف إن
كانت تقود السيارة ، أو إكراها بذلك علي السير في الطريق الذي يريدها أن تسلكه ،
ونحو ذلك ، وكل هذا حادث ويحدث ويتجدد حدوثه ، ونظرًا إلي انشغال الناس بأمورهم
الخاصة وانكفائهم علي ذواتهم ، وعدم القيام بواجب الأمر بالمعروف وإنكار المنكر ،
استفحل هذا المنكر بدرجات متفاوتة في المجتمعات الإسلامية ،
ولما كان الغالب هو تحرش الذكور بالإناث فإني أتناول في
هذه العجالة أسباب ذلك ، وتداعياته ، وحكمه ، والسبيل إلي الإقلاع عنه .
المقصد الأول : حقيقة التحرُّش الجنسي
التحرُّش : هو التحكُّك والتعرُّض
والتحريش : هو الإغراء بين الناس
والحَرْش والتحريش : هو إغراء الإنسان والأسد ليقع بقرنه
وحَرّش بينهم : أفسد وأغري بعضهم بعضًا
والحرش والاحتراش تهييج الضبَّ في جحره ليُصاد ، يُقال : حرش الضبَّ يحرشه
حرشًا صاده ، والاحتراش في الأصل هو الجمع والكسب والخداع ومن ثم فإن تحرش أحد الجنسين بالآخر يُراد به
إتِّباع الحيلة والخداع للإيقاع به ونيله .
المقصد الثاني : أسبابِ التحرُّش بالنساء
إن لتحرُّش الذكور بالإناث أو العكس أسبابًا عدة ، يمكن
إجمالها فيما يلي :
1ـ غياب الوازع الديني أو انحساره من النفوس :
لا يخفي علي أحد انحسار الوازع الديني في نفوس الكثيرين ، ليحل محله اللهث
وراء ماديات الحياة ، واستجلابها من وجوهها المشروعة وغير المشروعة ، بحسبانها في
نظر بعضهم وسيلة إشباع الحاجات ، المتنامية بتنامي وجوهها الْمُعلَنْ عنها بوسائل
الإعلام فضلاً عن استيراد ثقافة غير المسلمين وتبنِّيها ، سواء أكانت وافقت أحكام
الشرع أم خالفته ، والانبهار بما وصلت إليه الدول المتقدمة من حضارة ورقي ، وترسم
أخلاق أهلها ومبادئ سلوكهم والتأسِّي بهم فيها ، بحسبان ذلك وفق ما يري بعضهم هو
سبب تقدمهم ورقيهم ، وقد جرَّ هذا وما يزال علي المسلمين الشر كله .
2ـ الفراغ :
لقد قيل : إن
الصحة والفراغ والجدَة مَفْسَدة للمرء
أي مُفْسِدَة
ولا يستغرب أن يكون الفراغ من الأسباب التي تدفع بعضهم إلي التحرش بالنساء
، فإن المرء إذا كان له من العمل ما يشغله جل وقته أو بعضه ، فإنه لن يجد متسعًا
من الوقت لمجرد التفكير في التحرش بهنَ ، فضلاً عن ملاحقتهن في أماكن تجمعهن ، أو
محاولة الاتصال بهنَ ، أو غير ذلك من وجوه التحرش ، وأما من لا تشغله هموم الحياة
ولآلأؤها ، وتوافرت له سُبل الحياة الرغدة وخلَت حياته من المنغصات كما خلت مما
يشغله ، فإنه لا يفتأ يتفكَّر فيما هو منجذب إليه بحسب طبيعته وجبلته ، وهو النساء
تدفعه شهوته البهيمية ونزواته إلي محاولة التحاور معهنّ ، وتحقيق نوع من العلاقة
بهنّ تملأ فراغ حياته وتسد جانبًا من الجوانب الخاوية فيها .
3ـ فقدان الاهتمامات النافعة :
إنّ فقدان الاهتمامات النافعة لكل ذي طاقة ، يترتب عليه إفراغها فيما لا
يفيد ، ولذا فإن واجب المرء أن تكون لديه اهتمامات يملأ بها فراغه ، كالاطِّلاع
علي ما ينفع ، أو ابتكار أو تطوير ما يعود عليه وعلي غيره بالنفع ، أو الاشتغال
بعمل أو حرفة أو صنعة أو علم أو رياضة ، أو نحوها من الشواغل النافعة ، ولذا فإن
انعدام هذه الشواغل أو الاهتمامات لدي البعض يكون باعثًا إلي تحويل طاقته إلي
اللهو والعبث ونحوهما ، ومنها ذلك التحرُّش .
4ـ غياب دور الأسرة :
لا يخفي أن علي الأسرة دورًا فاعلاً في تأسيس الخلق القويم في نفوس
المنتمين إليها ، إضافة إلي إحكام الرقابة عليهم ، لتبين ما إذا كانوا يمارسون هذا
الخلق في الواقع أم أنهم يتنكبون عليه ، فلما انشغل القائمون علي أمر الأُسرة في
اهتمامات أُخرى : كتدبير أسباب العيش لأفرادها أو أسباب الرفاهية لهم ، غاب دور
الأسرة في توجيههم ومراقبة سلوكهم ، فكان من الطبيعي أن يمارس بعض أفرادها ما
يشاءون من سلوك ، ولو كان فيه منافاة لوازع الدين والأخلاق ، وهم في مأمن من أن
يحاسبهم أحد أو يعلم بممارساتهم .
5ـ عدم وجود منكر لهذا السلوك أو عدم احترامه :
إنّ طابع الحياة صبغ الناس بصبغة الانكفاء والاهتمام بشئونهم الخاصة ، من
دون نظر أو اهتمام بسلوك الآخرين ، فالناس في زماننا لا يلوون علي شيء إلاّ إذا
دعت إليه حاجتهم الخاصة ، وقد كان لهذا الانكفاء أثره في ضمور أو انعدام مساحة
إنكار المنكر ، فلم يعد لدي الكثيرين من الوقت ما ينكرون فيه منكرًا ، لما يقتضيه
ذلك من الاستفصال من فاعله عن مدي معرفته لحقيقة ما يفعل ، وبيان وجه المنكر في
فعله أو قوله أو سلوكه ، ثم زجره عنه ، وهذا يقتضي المزيد من الوقت لإقناع فاعل
المنكر بحرمة ما أقدم ويقدم عليه ، وزجره عن استمرائه أو الاستمرار فيه ، ولا يجد
الكثيرين متسعًا من الوقت لذلك ، وربما لم يجدوا رد فعل لإنكارهم إلاّ الاستهزاء
والسخرية من فاعله ، مما يجعل بعضهم يكف عن الإنكار ، أو يجد أنه لا جدوى من
إقناعه بالكف عمّا هو فيه ، والنتيجة في الحالين واحدة ، وهي استمرار فعل المنكر .
6ـ البطالة المقنعة وغير المقنعة :
لا ينكر أحد انتشار البطالة بين قطاع كبير من الناس وإن كانت نسبته متفاوتة
من بلد إلي آخر ، ومن إفرازات هذه البطالة التسكُّع في الطرقات وغيرها لقتل الوقت
وعدم التفكير في مصاعب البحث عن العمل ، بل إن من الموظفين من يجد لديه وقت فراغ
طويل ، قد يمتد من بداية الدوام إلي نهايته ، فيجتهد في ملء هذا الفراغ ، إما
بالخروج من مكان العمل إلي الأسواق أو الشوارع ، أو نحو ذلك من أمور إلي أن ينتهي
وقت الدوام ، وقد يكون التحرش بالنساء في مجال العمل أو خارجه هو أحد اهتماماته
لتمضية الوقت ، والقضاء علي الملل .
7ـ الكبت العاطفي في محيط الأُسرة :
لا يغفل دور الكبت العاطفي في محيط الأُسرة في تفشي ظاهرة التحرش الجنسي ،
فإن عاطفة الحب والحنو والرحمة والاهتمام والحميمية التي تربط بعض الأفراد ببعض ،
إن لم تجد متنفسًا لها داخل الأسرة ، بحث من يعانيها عن متنفس لها خارج الأسرة ،
لأن هذا هو البديل من وجهة نظره في تعويض ما يعانيه من تجاهل أفراد أسرته له ،
ليجد هذا في صديق أو جار أو زميل دراسة أو عمل أو شخص عابر ، وربما بحث عن امرأة
أملاً في أن يجد عندها ما افتقده في أُسرته .
8ـ عدم توجيه المال الذي يحوزه المرء الوجهة الصحيحة :
إنّ كثرة المال مفسدة كقلّته ، ولذا فإن الملاءة في حق بعض الناس شر محض ،
إذا استغلت في غير ما يعود عليه بالنفع ، ولذا فقد يجد بعضهم أن كثرة المال معه لا
حاجة إلي استغلالها فيما يشغل وقته ويعود عليه بالنفع ، ومن ثم فإن قناعته أن
ينفقها في عبثه ولهوه وملذاته من دون تدبُّر لمغبَّة سلوكه .
9ـ عدم وجود الأنشطة الجماعية :
من أسباب التحرش الجنسي انعدام أو ندرة الأنشطة الجماعية ، التي تخلق
الاهتمامات المشتركة وتمتص كثيرًا من وقت الفراغ ، كالاهتمام بنظافة البيئة
وتخليصها من كل ضار ، أو الاشتراك في الرحلات الكشفية أو الصحية أو التثقيفية ، أو
الارتياض الجماعي بنوع من الرياضات البدنية أو الذهنية أو نحوها .
10ـ انعدام أو ندرة البرامج الهادفة في وسائل الإعلام :
إنّ الغالب علي وسائل الإعلام وخاصة في دول العالم الثالث ، هو إلهاء الناس
بقضايا عَبَثيّة مقصودة ومخطط لها سلفًا تخطيطًا دقيقًا ، لإشغالهم بها عن الفساد
الذي باض وفرّخ في أرجاء بلادهم ، فوسائل الإعلام في هذه الدول علي اختلاف
توجهاتها إلاّ ما نَدَر ، إنما تعني بما يضمن استمرار رسالتها وإن لم تقدم جديدًا
يُثري الفكر أو يطوّر منه ، وكل هذا يصبُّ في الجانب السلبي لاهتمامات المخاطبين
بها ، فتكون النتيجة انصرافهم عنها وانشغالهم بأمور قد لا يكون فيها نفع لهم .
11ـ الكثرة الكاثرة للفضائيات التي رسالتها علي إثارة
الغرائز :
لا ينكر دور التلفاز كوسيلة إعلامية تقتحم علي الناس بيوتهم شاءوا أم أبوا
، وخطر هذا الجهاز وقوّة تأثيره في مشاهديه علي اختلاف مراحلهم العمرية وثقافتهم ،
ومع ما ألمحنا إليه في السبب السابق نجد غلبة الفضائيات التي تثير برامجها الغرائز
، وكثرة تنوع ما تبثه منها ، ومع انعدام الرقابة الأسرية يرقب هذا البث من يريده
من أفراد الأسرة ، فيتأثر به ، يُضاف إلي هذا أن بعض مذيعات ومُقدمات البرامج في
فضائيات البلاد الإسلامية ، لا يلتزمن في مظهرهنّ بأحكام الإسلام ، إمّا نهجًا
لهنّ ، أو لفرض التبرُّج عليهنّ كشرط لمزاولة العمل ، وهذا وذاك يلقي بآثاره علي
المشاهد .
12ـ غياب الوعي الديني السوي في مخاطبة الناس :
في ظل الأوضاع المتردية في بلاد الإسلام أو التي يوجد فيها مسلمون ، نجد أن
الخطاب الديني فرضت عليه رقابة صليبية صهيونية ، ولذا فلا عَجَب أن نجد صرامة
الرقابة علي ما يُبَثُّ أو يُنشر من هذا الخطاب الآن ، وصار ما يصل إلي المشاهد أو
القارئ أو السامع هزيلاً في مادته مشوشًا في محتواه ، يغلب عليه الاختزال والبتر
حتى لا يؤذي أحدًا ممن وضع نهج هذا الخطاب ، وإذا كان الناشئة من الجنسين لا يجد
بغيته من الثقافة الدينية في المحتوي الهزيل للكتب الدراسية ، فإنه لا يجد بغيته
كذلك لدي الدُّعاة ألمكممي الأفواه ، أو مواقع (الإنترنت) التي ليس في مقدور كل
أحد أن يُبحر في بحرها المتلاطم الأمواج ، نظرًا إلي تنوّع الفكر واختلاف التوجه
ودس السم أحيانًا في العسل ، ولذا قد يضل الكثيرون في مواقعه فلا يهتدون .
13ـ الضغوط الاجتماعية في الأسرة أو المجتمع :
إن وضع القيود والعراقيل أمام راغبي الزواج من الجنسين له تداعياته علي
الأسرة والمجتمع ، وإذا لم يجد أي منهما سبيلاً مشروعًا إلي التنفيس عن غريزته ضل
طريقه ، ولم يأبه لقيم أو أخلاق مجتمعه ، فأفضي ذلك إلي مالا تحمد عقباه .
14ـ فقدان القدوة واضطراب معاييرها :
لا يغفل تبدُّل القُدوة في زماننا ، فقد كانت القدوة والمثال من قبل في أهل
العلم والدين والخلق الكريم ، وصارت في زماننا لغيرهم ، ومَن صاروا موضع قُدوة الكثيرين
يغلب عليهم عدم الالتزام بأحكام الإسلام ، ولذا فإننا نجد تهالك الناشئة علي
ترسُّم خطوهم ، في اللباس والهيئة والسلوك والنهج والحرفة والشهرة .
15ـ تبذُّل بعض النساء وإغرائهنَّ مَن يتحرّش بهنَّ :
إنّ المرأة قد تدفع الرجل إلي التحرُّش بها ، إذا كان في
هيئتها أو مشيتها أو كلامها ، أو الموضع الذي تسير به أو الوقت الذي تخرُج فيه ،
ما يدفعه إلي ذلك ، ولم يحدث في الواقع أن تحرش أحد بامرأة ملتزمة بتعاليم الإسلام
عند خروجها لقضاء حاجتها أو لمزاولة عمل مشروع ، وإنما كل حالات التحرش تقع لمن
كانت غير ملتزمة بهذه التعاليم .
المقصد الثالث : التداعيات الأخلاقية والاجتماعية للتحرش
من التداعيات الأخلاقية والاجتماعية المترتبة علي التحرش الجنسي : الإضرار
بأمن المجتمع ، وشيوع الفساد بين أفراده ، والوقوع في الفاحشة وما ينجم عنها من
مفاسد ، وتلويث سمعة الأُسر ، وانتشار قيم جديدة غريبة عن المجتمع المسلم ، وتفشي
الظواهر الإجرامية فيه ، من خطف النساء أو اغتصابهنّ أو إيذائهنّ أو النيل منهنّ
أو من ذويهن ، وانتشار العنف ، وكثرة الحوادث المرورية ، وقطع الطريق علي الناس ،
وعدم تمكُّن النساء من مزاولة أعمالهن أو الخروج لحوائجهن ، وزيادة حالات العنوسة
والطلاق بسبب الشك في سلوك المرأة نتيجة لهذا التحرش .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق